«فورين بوليسي»: حماية الأرشيف الرقمي سلاح في مواجهة الأنظمة الاستبدادية

«فورين بوليسي»: حماية الأرشيف الرقمي سلاح في مواجهة الأنظمة الاستبدادية
الأرشيف الرقمي- صورة تعبيرية

تعد الأرشيفات الرقمية إحدى الأدوات الأساسية التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في مقاومة الأنظمة الاستبدادية والحد من قدرتها على محو الحقائق وتشويه التاريخ، وفي عصرنا الرقمي، حيث تزداد الانتهاكات ضد الحريات وحقوق الإنسان، أصبح الحفاظ على السجلات الرقمية أداة محورية في الكشف عن هذه الانتهاكات، وتوثيق جرائم الأنظمة القمعية. بحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي".

وأشار التقرير اليوم الاثنين، إلى أن حماية الأرشيفات الرقمية تُعد سلاحًا قويًا في مواجهة الأنظمة الاستبدادية التي تسعى إلى محو ذاكرة الشعوب وتغطية أعمالها الوحشية.

الأنظمة الاستبدادية وأدوات المحو

وتعتبر عملية المحو واحدة من الأدوات الرئيسية التي يعتمد عليها الاستبداديون في التحكم في المعلومات والحقائق التاريخية، وفقًا لـ"فورين بوليسي"، تميل الأنظمة الاستبدادية إلى استخدام قوتها للحد من التعبير عن الآراء المعارضة، وقمع الروايات التي قد تضر بمصالحها، والتستر على الجرائم التي ترتكبها.

وفي العصور الماضية، كانت الأنظمة تقوم بحرق الكتب والمستندات والصحف التي قد تشكل تهديدًا لحكمها، محاولة إخفاء الأدلة على انتهاكاتها، إلا أن الوضع في العصر الرقمي قد تغير، حيث أصبح بمقدور الحكومات القمعية محو المعلومات من الإنترنت بكل سهولة، بما في ذلك مواقع الويب والأرشيفات ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يهدد قدرة الشعوب على الاطلاع على تاريخهم وحقيقته.

وسلّطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على التحديات التي تواجه الحفاظ على الأرشيفات الرقمية في عصر الإنترنت، ففي الوقت الذي تزداد فيه سرعة تكنولوجيا المعلومات، فإن المخاطر المتعلقة بحذف أو مسح هذه المعلومات في لحظات أصبحت أكبر من أي وقت مضى.

ويستطيع الحكام المستبدون الآن إخفاء الحقائق ببساطة من خلال الضغط على زر واحد، مما يزيل سجلات تاريخية حيوية قد تفضح جرائمهم، وعليه، تصبح الحاجة إلى الحفاظ على المواد الرقمية المتعلقة بالصحافة والتاريخ والفيديو والحكومة أمرا ملحًا.

الأرشيفات الرقمية وتوثيق الجرائم

أدركت العديد من الحكومات أهمية الوثائق والمحتوى الرقمي في تشكيل الذاكرة التاريخية للأمم، على سبيل المثال، عقب الحرب العالمية الثانية، جمع الحلفاء العديد من الأدلة المتعلقة بفظائع النازية في شكل وثائق وصور وأفلام، ثم تم عرض هذه الأدلة في محاكمات نورمبرغ، وما زالت الأرشيفات التي تم جمعها تُستخدم اليوم لفهم تلك الحقبة المظلمة في التاريخ.

وفي حالات أخرى، مثلما حدث في ألمانيا الشرقية أثناء حكم النازي، كانت الأنظمة الشيوعية تحرص على جمع الوثائق المتعلقة بمواطنيها، التي يمكن أن تكون حاسمة في إظهار قسوة القمع الذي كان يعاني منه الشعب.

وبعد سقوط النظام الشيوعي، نجح الناشطون في حماية بعض من هذه السجلات من الحرق، وهو ما سمح للكثير من الألمان بالاطلاع على ملفاتهم الشخصية في الأرشيفات الحكومية.

التكنولوجيا واستمرارية الأرشيفات

بينما تسهل التكنولوجيا الحديثة عملية نشر المعلومات، فإنها أيضًا تقدم تحديات جديدة في الحفاظ على هذه المعلومات، حيث إن المعلومات الموجودة على الإنترنت ليست ثابتة بشكل دائم، وتتعرض في كثير من الأحيان لظواهر مثل "تلف الروابط" حيث تصبح الروابط القديمة غير قابلة للوصول إليها نتيجة لتغيير المواقع أو حذفها، هذه الصعوبة في الحفاظ على المعلومات الرقمية تزيد من المخاطر المرتبطة بفقدان المواد التي قد تكون حاسمة في كشف الفساد والانتهاكات.

ومن خلال المنظمات غير الحكومية مثل "أرشيف الإنترنت"، يتم بذل جهود لحماية وتوثيق المعلومات الرقمية على مدار السنين، إلا أن هذه المبادرات تظل ناقصة، إذ إنها لا تغطي جميع المواد الحساسة من الأنظمة القمعية.

وتزيد القيود المفروضة على الإنترنت في بعض البلدان من صعوبة جمع وحفظ هذه المواد، حيث تميل الحكومات الاستبدادية إلى تشديد الرقابة على الأنشطة الرقمية لمواطنيها، بما في ذلك إجبار شركات التكنولوجيا على تخزين البيانات داخل حدودها الجغرافية، مما يمكنها من السيطرة على الوصول إلى المعلومات وحذف المحتوى الذي لا يتوافق مع سياساتها.

تحديات الحفظ الرقمي

تجد الحكومات المستبدة في العالم الحديث طرقًا جديدة لمحو المحتويات الرقمية غير المرغوب فيها، مثلا: بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، عمدت الحكومة الروسية إلى حظر جميع وسائل الإعلام المستقلة، مما دفع الصحفيين إلى الفرار مع أرشيفاتهم الرقمية خوفًا من فقدان أعمالهم التي لا تروق للنظام.

وفي الصين، تعتبر الحكومة أن جميع شركات الإنترنت تعمل بناء على رغبتها، مما يتيح لها السيطرة الكاملة على ما يتم نشره أو حذفه من الإنترنت.

وأدركت العديد من المنظمات الدولية، مثل "PEN أمريكا" و"أرشيف الإعلام الروسي المستقل"، أهمية الحفاظ على الأرشيفات الرقمية، فقامت هذه المنظمات بإنشاء أرشيفات رقمية لمعارضة الأنظمة الاستبدادية وضمان أن تظل الحقائق التاريخية موجودة، ومع ذلك، فإن هذا العمل يحتاج إلى دعم دولي أكبر.

ضرورة الدعم الدولي

يؤكد الخبراء ضرورة تبني نهج عالمي لحماية الأرشيفات الرقمية، وأن تتضافر جهود المنظمات الدولية، الحكومات، والمجتمعات المحلية لحماية هذه الأرشيفات، لا سيما في ظل تهديدات المحو الرقمي الذي يشكل خطرًا كبيرًا على حرية التعبير وحقوق الإنسان.

ومن المهم أن تسعى الحكومات والمؤسسات الدولية إلى توفير الحماية القانونية للمواد الرقمية، وأن توفر الدعم للأفراد والكيانات المعنية بجمع هذه الوثائق وحفظها.

وفي ظل الأنظمة الاستبدادية، يعد الحفاظ على الأرشيفات الرقمية ليس مجرد حماية للمعلومات، بل هو أيضًا خطوة أساسية لضمان بقاء الذاكرة التاريخية حية، من خلال هذه الأرشيفات، يمكن للمجتمعات أن تواصل مقاومة الأنظمة القمعية وأن تظل قادرة على محاسبتها في المستقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية